اخبار السودان

عبد المحمود نور الدائم : السودان..الخليفة الحمار ونصر بن سيار..يكون وقودها جثث وهامُ

0 99

.

.عبد المحمود نور الدائم : السودان..الخليفة الحمار ونصر بن سيار..يكون وقودها جثث وهام

1

حوادث التاريخ على مر العصور ربما ليست جميعها متشابهة ولكن يجب أن يوضع لها اعتبار وأخذ الدروس منها وفهمها واستيعابها فكما للمادة قانون يضبط تحولاتها وتشكيلها وأبنيتها.. فكذلك للتاريخ – والذي هو ناتج فعل انساني – قوانين وسنن يمكن قراءتها من النتائج والأحداث والتطورات.

وإذ تتغير وتتطور أدوات الصراع، ووسائل الإيقاع، وتتباين منابع الصراع وتعدد شروط مواجهته، لكن يبقي الصراع صراعا.. والخطر خطرا..

والتمكين لمن يحسن استخدام ما لديه من عناصر القوة والمواجهة في عالم مهما تقدمت حضارته وسادت مدنيته يظل يعيش حالة من الصراع على المصالح والنفوذ.

2

كان نصر بن سيار حاكما لإقليم خراسان وآخر حاكم للإقليم في عهد الدولة الأموية وقد عينه حاكما عبد الملك بن هشام واستمر في منصبه حتى تولى الخلافة محمد بن مروان الملقب بالحمار ويقال أنه لقب بالحمار لشدة صبره.
وبينما كان الخليفة محمد بن مروان مشغولاً بإخماد فتنة في دمشق بين القيسية واليمانية وجسد الدولة تفتك به الصراعات، كان نصر بن سيار يرى خطرًا وشيكًا يهدد كيان الدولة الأموية بأسرها ألا وهو حراك العباسيين الذي يقوده أبو مسلم الخراساني ضد الأمويين في خراسان.
وأبو مسلم هذا هو حفيد الملك الفارسي يزدجر الثالث الذي هزمه المسلمون في معركة القادسية، وقد تنبأ يزدجر أن أحد أحفاده سيعيد للفرس مجدهم من جديد.

3

حاول نصر بن سيار تحجيم حراك أبو مسلم الخراساني ضد الدولة الأموية إلا أنه لم يستطع فكتب إلى الخليفة محمد بن مروان أبيات يخبره فيها بالخطر القادم الذي قد يؤدي لزوال الدولة الأموية ومحذرا من مغبة الاستهانة بحراك أبو مسلم الذي تغذيه الشعوبية والطائفية والرغبة الجامحة في الحكم وطالبا المدد لكبح جماحه ، فكتب نصر:

أرى تحت الرماد وميض جمر

ويوشك أن يكون له ضرام

فإنّ النار بالعودين تذكى

وإن الحرب مبدؤُهُا الكلام

فإن لم يطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهامُ

وقلت من التعجب ليت شعري

أأيقاظٌ أميّة أم نيام

فإن يقظت فذاك بقاء ملك

وإن رقدت فأني لا ألام

فإن يك اصبحوا وثووا نياما

فقل قوموا فقد حان القيام

فغرّى عن رحالك ثم قولي

على الإسلام والعرب السلام

إلا أن تحذيره الذي بعث به إلى الخليفة محمد بن مروان لم يجد أذنًا مصغية فتجاهله الخليفة تماما، بايعاز من مستشاريه الذين كانوا موالين سرا للعباسيين فكانوا يقللون من خطر الخراساني ويتهمون نصر بن سيار بتضخيم الأمور.
حتى استفحل التمرد في خراسان وانتصر أبو مسلم الخراساني على نصر بن سيار وبدأ العباسيون في ابتلاع الأقاليم الأموية واحدا تلو الآخر حتى تلاقى الجيشان العباسي والأموي في معركة طاحنة بالقرب من نهر الزاب انتصر فيها العباسيون وطاردوا الخليفة محمد بن مروان حتى قتلوه في بوصير.

4


لقد كانت أبيات نصر بن سيار كأنها نبوءة؛ فبعد سقوط الدولة الأمية توالت الهزائم والصراعات والفرقة والشتات في الدولة الإسلامية فحكم العباسيون والأيوبيون والفاطميون ثم العثمانيون وبعد سقوط الدولة العثمانية جاءت الدول الاستعمارية وقسمت البلاد الإسلامية وفق اتفاقية سايكس بيكو ثم توالت الانشقاقات داخل دول سايكس بيكو نفسها وازدادت الصراعات والنعرات القبلية وأصابها الضعف والوهن وتراجعت الحدود السياسية للدول المسلمة بل ماتزال بعضها محتلة والأخرى تحت الوصاية المباشرة أو غير المباشرة وقد تحققت نبوءة نصر بن سيار “على الإسلام والعرب السلام”

5

إن صرخة نصر بن سيار التحذيرية مازالت أبدا لا تسمع لدى كل حاكم .. أن أدركوا كيان الدولة واخمدوا الفتنة في مهدها واحكموا بالعدل بين الناس قبل أن تفكك الدولة لاقطاعيات شعوبية عنصرية يحكمها عرب وزنج وشركس وأفرنج متنافرون يضربون رقاب بعضهم بعضا  لا حول لهم ولا قوة على عدوهم.

إن مصير الدولة الأموية يتكرر في كل حين وإن نبوءة بن سيار مازالت، وليس السودان ببعيد عن هذا المصير إن لم تتفق جموع الشعب السوداني ونخبه على وثيقة واحدة تخرج بالبلاد إلى انتخابات نزيهة .

عبد المحمود نورالدائم على فيسبوك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.